العقيد البخاري محمد مؤمل يحاور اكبر سلطة عسكرية في حلف الناتو (ظروف ونص المقابلة)/إينشيري

جمعة, 01/06/2018 - 00:30

الحدث غير مسبوق,الجنرال بيتر بافل قائد اللجنة العسكرية في الناتو - حلف شمال الأطلسي- يقوم بزيارة لموريتانيا.  وفضلا عن كونها أول زيارة تؤديها أعلى سلطة عسكرية في الحلف  للبلد، فإن الجنرال تحدث طويلا وحصريا لأحد الوسائط الإعلامية الوطنية الحرة.

وشاء الله أن يكون موقع "موريتانيا المعلومة" هو الجهة الاعلامية التي حظيت بفرصة إجراء هذه المقابلة مع قائد اللجنة العسكرية للحلف.. وكانت الأسئلة كثيرة تزدحم وتتردد في ذاكرة المحاور محاولا ترتيبها في محاور رئيسية: أهداف الزيارة ونتائجها وأهمية موريتانيا بالنسبة للناتو؛ التحديات الأمنية في منطقة الساحل، وتعامل الناتو معها؛ التدخل العسكري للحلف وتداعيات الإطاحة بنظام القذافي والدروس المستخلصة من ذلك؛ مجموعة ساحل 5 وتعامل التانو معها، الأمن البحري التحديات المرتبطة به: القرصنة، التهريب...
ورغم كون المواضيع المطروقة معقدة وذات ابعاد حساسة في الكثير من جوانبها، فإن ذلك لم يمنع المسؤول العسكري الأول في الناتو من الإجابة عليها كلها.
ـ "موريتانيا المعلومة":  في البداية، أشكركم تخصيص جزء من وقتكم لنا بغية إنارتنا وإنارة قرائنا والرأي العام رغم جدول أعمالكم المزدحم.
يراودنا الكثير من الأسئلة المتعلقة بنشاطات منظمة حلف شمال الأطلسي ودورها في استتباب   الأمن في العالم، ولكننا سوف نقتصر على مجالات محددة نستهلها بموضوع زيارتكم.

هذه هي زيارتكم الأولى لموريتانيا، وهي أول زيارة لمسؤول عسكري على هذا المستوى من الناتو. لماذا هذه الزيارة إلى موريتانيا، وماذا تنتظرون منها؟

جنرال بيتر بافل: فعلا هي المرة الأولى التي أزور فيها موريتانيا، كما أنها المرة الأولى التي يزور فيها رئيس اللجنة العسكرية لحلف شمال الأطلسي موريتانيا كما ذكرتم.

 أنا هنا تلبية لدعوة من قائد أركان دفاعكم (قائد الأركان العامة للجيوش- هيئة التحرير)، وهي فرصة ثمينة للاطلاع على وجهة نظر موريتانيا حول التحديات الأمنية في المنطقة، وبحث التعاون الثنائي بين الحلف وموريتانيا والاجتماع بالمسؤولين العسكريين والمدنيين، سبيلا إلى خلق إطار للتفاهم الثنائي حول مختلف القضايا.

لقد مكنتني هذه الزيارة من الاطلاع على سير عمل مجموعة الساحل 5   والتباحث مع مسؤولين كبار فيها.

إن للتهديدات والتحديات الأمنية العابرة للحدود تأثيرات على الصعيد العالمي. وعلى هذا الأساس فإنه من الأهمية بمكان وضع إطار مشترك للعمل بين الدول والهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية، مع الأخذ بعين الاعتبار للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية من أجل إيجاد الحلول الشاملة.

لقد بدأت الشراكة بين حلف شمال الأطلسي وموريتانيا منذ سنة 1995، واستمرت منذ ذلك التاريخ في التطور والازدهار، نتيجة برنامج دعم التكوين في مجال الدفاع، كما أن الحلف ساهم في تعزيز التكوين العسكري في موريتانيا، حيث اضفى طابعا مؤسساتيا على العلاقة القائمة بين مؤسسات التكوين في الحلف والمدرسة الوطنية للأركان في موريتانيا.

ـ موريتانيا المعلومة:  وماذا عن المجالات الأخرى، غير التكوين؟

جنرال بيتر بافل: لقد تمكنا من خلال دعم مالي خاص من المشاركة في بناء مخزنين للذخيرة يتوفران على شروط الأمان اللازمة وتكوين عناصر من القوات المسلحة الموريتانية، والمساعدة في تدمير الذخيرة والأسلحة الخفيفة صغيرة العيار ومنتهية الصلاحية، بما في ذلك منظومات محمولة مضادة للطيران.

وبعد نجاح تجربة الدعم المالي هذه، فإن دعما ماليا إضافيا لموريتانيا "موريتانيا2" قد تم إقراره خلال اجتماع رسمي لهيئة الشراكة الأورو متوسطية تم عقده على مستوى لجنة الشركاء والتعاون الأمني في شهر مايو من العام 2015. وقد تم تقديم هذا الدعم المالي في مارس 2016، حيث شمل المجالات التالية:

أ ـ بناء مخازن إضافية آمنة للذخيرة، خاصة في شمال وشرق البلاد.

ب ـ متابعة ودعم تكوين الأفراد العسكريين من الأطر خاصة

ج ـ متابعة تدمير الذخيرة منتهية الصلاحية خاصة المنظومات المحمولة المضادة للطيران.

"لقد ساهم برنامج العلم في خدمة السلام والأمن (SPS) التابع لحلف الناتو خلال السنة الأخيرة في إنشاء وتشغيل مراكز لتسيير الأزمات في نواكشوط وفي ثلاث مناطق أخرى داخل البلاد."

لقد ساهم برنامج العلم في خدمة السلام والأمن (SPS) التابع لحلف الناتو خلال السنة الأخيرة في إنشاء وتشغيل مراكز لتسيير الأزمات في نواكشوط وفي ثلاث مناطق أخرى داخل البلاد.

ويساهم مركز تسيير الأزمات في نواكشوط حاليا في تحسين مستوى الحماية المدنية والرقابة التشغيلية والإنذار المبكر للسكان في حالة التهديدات والمخاطر، بالإضافة إلى تعزيز مستوى الجاهزية والاستعداد لمواجهة الأزمات التي لها تأثير مباشر على الأمن الوطني.

كما يساعد على الاستجابة لحالات الطوارئ عن طريق تجميع وتحليل المعلومات من مجموعة متنوعة من المصادر، باستخدام التقنيات الحديثة وإجراء عمليات المحاكاة.

ـ "موريتانيا المعلومة": هذه مجالات كثيرة ومعقدة، لا شك أنها مكلفة. كيف يتم التمويل؟

جنرال بيتر بافل: يتم تمويل المركز في إطار برنامج العلم في خدمة الأمن والسلام ( SPS ) التابع لحلف شمال الأطلسي، ولكنه تلقى أيضًا دعما وطنيا معتبرا من كل من فرنسا وكندا. وهو يجسد تماما التعاون العملي بين الحلف وموريتانيا.

ـ "موريتانيا المعلومة": يتفق المراقبون والباحثون الاستراتيجيون على أن منطقة الساحل منطقة تحمل مخاطر كبيرة تتعلق بظاهرة الإرهاب التي تتغذي على التهريب غير المشروع والهجرة غير الشرعية وغير ذلك من اشكال الجريمة العابرة للحدود ... ما هو تصور الحلف للتحديات الأمنية في الساحل وما هي استراتيجيته في هذا المجال؟

جنرال بيتر بافل: نحن على دراية بالوضع الأمني في منطقة الساحل ونتابعه باهتمام، لكن حلف شمال الأطلسي لا يلعب حاليًا دورًا في هذه المنطقة.

نتعاون حاليا بشكل وثيق للغاية مع الجزائر والمغرب اللتين تشتركان، مثل موريتانيا، في الحوار المتوسطي، وهناك دول أعضاء في الحلف، مثل فرنسا تبقينا على علم بالوضع في منطقة الساحل وما حولها، وبالطبع لدينا أيضا شراكة وثيقة مع الاتحاد الأوروبي.

الإرهاب لا يعرف حدودا جغرافية أو لا دين له، وقد لعب حلف شمال الأطلس دوراً أساسياً في مكافحة الإرهاب لسنوات عديدة، وهو الدور الذي يتم تعزيزه باستمرار.

لقد شكلت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة لجنوب آسيا علامة بارزة في وجودنا في أفغانستان، حيث نشر الحلف الآلاف من الأفراد الإضافيين.
كما ضاعفت دول حلف الناتو جهودها في العراق كجزء من التحالف العالمي ضد داعش، حيث حققنا تقدماً هائلاً خلال العام الماضي، وهو ما تجسد في خسارة داعش لمزيد من الأراضي. يجب أن نكمل العمل الذي بدأ للحفاظ على المكاسب التي تحققت بصعوبة. ولهذا الغرض سيبدأ الحلف، في يوليو المقبل، مهمة تدريبية جديدة لصالح العراق، لأن أفضل سلاح لمحاربة الإرهاب هو تكوين القوات المحلية. نحن بحاجة لفهم كيفية حماية الاستقرار من حولنا، وهو أمر في غاية الأهمية، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمننا الخاص وبمكافحة الإرهاب.
ـ "موريتانيا المعلومة": بالنسبة للكثيرين، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي وأغلبية دول الساحل، فإن التدخل العسكري في ليبيا سنة 2011، والذي أسفر عن مقتل القذافي في ظروف غامضة وسقوط نظامه، شكل كارثة بالنسبة للمنطقة من زاوية منظور الأمن. ما هي الدروس التي استخلصتموها من هذه التجربة على مستوى الحلف؟
جنرال بيتر بافل: استندت عملية حلف شمال الأطلسي في ليبيا على تفويض واضح من الأمم المتحدة وهو حماية المدنيين من هجمات النظام. كما حصلت عملياتنا أيضا على دعم مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية. كانت حماية المدنيين في صميم التفويض الذي منح لنا، وهي مهمة أنجزها الحلف.
" عندما يتعلق الأمر بعملية عسكرية، من المهم ضمان نزع سلاح المجموعات شبه العسكرية ومساعدة البلاد على تطوير مؤسساتها الأمنية والدفاعية"
لقد أظهرت الأزمة في ليبيا أن الحلف باستطاعته استخدام القوة بشكل فعال لحماية المدنيين، كما فعل في البلقان. ولكن عندما يتعلق الأمر بعملية عسكرية، من المهم ضمان نزع سلاح المجموعات شبه العسكرية ومساعدة البلاد على تطوير مؤسساتها الأمنية والدفاعية. إنه مطلب يهم المجتمع الدولي بأكمله. والدرس الرئيسي الآخر الذي يجب تذكره هو الطبيعة الأساسية للتعاون عبر الأطلسي.
وفيما يتعلق بالحالة الراهنة في ليبيا، يؤيد الحلف بالكامل جهود الأمم المتحدة الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة. ونحن على استعداد لمساعدة ليبيا في إنشاء مؤسسات أمنية فعالة. وخاصة وزارة دفاع حديثة، ورئيس هيئة أركان، ومصالح استخبارات وأمن فعالة تحت إمرة حكومة مدنية.
ولا يزال خبراء الحلف على اتصال بالسلطات الليبية، من خلال التنسيق الوثيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ولكن أيضًا من خلال جهود المساعدة الثنائية، لتحديد أفضل طريقة يمكن أن يساعد بها الحلف بلدهم.
موريتانيا المعلومة:  دعونا نعود إلى دور حلف شمال الأطلسي في الحفاظ على السلام في منطقة الساحل، لأن هناك بعض الغموض في هذا المجال. هل يمكنكم إخبارنا بالمزيد؟ وبشكل أدق، ما هو الدعم الذي يقدمه حلفكم لمجموعة الساحل 5 وإلى البلد الذي نحن على أرضه في هذه اللحظات والذي كان وراء إنشاء هذه المنظمة  الإقليمية؟ أعني موريتانيا التي تعتبر مقاربتها الاستراتيجية في الحرب على الإرهاب مثالا يحتذى به في المنطقة.. وقد ثمنها العديد من المراقبين في الغرب وفي مناطق أخرى من العالم؟
جنرال بيتر بافل: لا يوجد حاليا أي تعاون بين الناتو ومجموعة الساحل 5، وليس لنا أي دور أو تفويض في هذا المجال، نحن نتابع الأمور وما تتطلبه. 
ويشكل اجتماعي اليوم مع كبار المسؤولين في مجموعة الساحل 5 أول اجتماع لحلف الناتو مع قادة هذه المجموعة. وعندما أعود إلى بروكسل، سوف نجري تقييما على المستوى السياسي للنقاط الرئيسية التي ناقشناها.
من المهم تجنب ازدواجية العمل، ونحن نؤيد تبادل المعلومات وخلق إطار لفهم أفضل للتطورات في المنطقة. 
موريتانيا المعلومة: إذا لم تمانعوا أود، سيدي الجنرال، أن أعود إلى موضوع سبق أن ذكرتموه وهو الأمن البحري. هل يمكن أن تحدثونا أكثر عن رؤية الحلف لهذه القضية وجوانبها المختلفة (القرصنة، الاتجار غير المشروع، الهجرة ...) ومجالات العمل التي ينبغي تطويرها بالشراكة مع قوات الدفاع وقوات الأمن الموريتانية للتعامل مع هذه المخاطر والتهديدات؟
جنرال بيتر بافل: (أجاب الجنرال مفصلا، نقطة بعد نقطة)
حول القرصنة : ساعد حلف الناتو بين عامي 2008 و 2016 على ردع أعمال القرصنة وإحباطها، كما ساهم في نفس الوقت في حماية السفن وتحسين المستوى العام للأمن في المنطقة من خلال العمليات العسكرية المختلفة. وقد وسّع الحلف أيضا من خلال عملية OceanShield أسلوبه في مكافحة القرصنة من خلال اقتراح تطوير قدرات دول المنطقة التي ستطلب منه مساعدتها في تعزيز قدراتها الخاصة لمكافحة القرصنة، وذلك في حدود إمكانياته وقدراته. باختصار، فإن دور حلف شمال الأطلسي هو منع القرصنة ووقفها من خلال اتخاذ إجراءات مباشرة ضد القراصنة ومرافقة السفن وردعها، مع تعزيز التعاون مع عمليات مكافحة القرصنة الأخرى في المنطقة، فالهدف هو تحسين الجهود ومواكبة الاتجاهات والتكتيكات المتغيرة للقرصنة.
بما أنه لم يتم تنفيذ أي هجوم منذ عام 2012، أنهى الحلف عملية OceanShield في 15 ديسمبر 2016. ومع ذلك، فهو لا زال يشارك في مكافحة القرصنة من خلال الاطلاع المستمر على الوضع البحري وتنمية روابط وثيقة مع الجهات الفاعلة الأخرى في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة. كما يواصل الحلف جهوده لمكافحة القرصنة في البحر وعلى الأرض، لمساعدة دول المنطقة من خلال تعزيز قدراتها الخاصة لمحاربة القرصنة.
بخصوص موضوع التهريب، فإن الانتشار غير المشروع للأسلحة ذات العيار الصغير والأسلحة الخفيفة يمكن أن يؤدي إلى توسيع دائرة العنف المسلح وإطالة أمده، وتعزيز الأنشطة غير القانونية وظهور الجماعات التي تمتهن العنف. ويساهم الولوج إلى الأسلحة ذات العيار الصغير والأسلحة الخفيفة غير المشروعة في تنمية الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والعنف القائم على نوع الجنس والقرصنة؛ ومن ناحية أخرى، يرتبط انتشار هذه الأسلحة ارتباطًا وثيقًا بالفساد والممارسات الإدارية السيئة.
يساهم الناتو في حل هذه المشاكل عن طريق تشجيع الحوار والتعاون بين الدول الحليفة والشريكة لإيجاد الحلول المناسبة. ولتحقيق هذا الهدف يمتلك الحلف آليتين فعالتين للغاية: فريق العمل الخاص بالأسلحة ذات العيار الصغير والأسلحة الخفيفة ومكافحة انتشار الألغام؛ بالغضافة إلى صندوق الدعم الخاص (حلف شمال الأطلسي / الشراكة). كما يدعم الحلف المبادرات التي تتخذها الهيئات الدولية الأخرى، مثل برنامج عمل الأمم المتحدة لمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة ذات العيار الصغير ، مهما كان نوع ذلك الاتجار ومكافحته والقضاء عليه، وكذلك دعم معاهدة الأمم المتحدة حول تجارة الأسلحة.
 ﻭﻓﻴﻤﺎ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﻟﻐﺎﻡ المضادة ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ، ﻳﻘﺪﻡ ﺍﻟحلف ﻭﺷﺮﻛﺎؤﻩ ﺃﻳﻀﺎ ﺍﻟﺪﻋﻢ إلى الدول الموقعة ﻋﻠﻰ ﺍﺗﻔﺎﻗﻴﺔ ﺣﻈﺮ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻭﺗخزين ﻭﺇﻧﺘﺎﺝ ﻭﻧﻘﻞ ﺍﻷﻟﻐﺎﻡ المضادة ﻟﻸﻓﺮﺍﺩ وتدميرها (اتفاقية أوتاوا). يساهم الحلفاء الذين لم ينضموا إلى هذه الاتفاقية في اتخاذ إجراءات ضمن الإطار العام لما يُعرف عمومًا باسم الأعمال المتعلقة بحظر الألغام، وتشمل هذه الإجراءات إزالة حقول الألغام، ومساعدة الضحايا والتوعية من خلال التكوين حول المخاطر التي تشكلها الألغام والمساعدة في تدمير المخزونات.
موريتانيا المعلومة:  مرة أخرى، شكرا  حضرة الجنرال.
اجرى الحوار ودونه:  البخاري محمد مؤمل مع دعم فني من طرف محمد اعل دندو