مقابلة مثيرة مع ضابط شرطة متقاعد/إيينشيري

أربعاء, 03/08/2011 - 10:11

يمقت هذا الضابط، المتقاعد من سلك الشرطة الوطنية؛ مسألتين: أولاهما "التكبر" وثانيهما "القبلية"؛ ففي الإعتقاد الراسخ للمفوض أحمدو ولد أميشين (73 سنة) فإن كل مشاكل موريتانيا (الفساد، الإفلات من العقاب والعبودية) هي بسبب ذينك الشيئين لذلك يطالب الجميع بالعمل على هزيمتهما.

و مع أنه مساند قوي للرئيس "عزيز" ضد خصومه من المعارضة التقليدية، إلا انه يتحدث بكل صراحة ووضوح عن الفساد المستشري في جهاز الشرطة والجهاز القضائي. والطريف في الأمر أن الرجل، الذي يمارس السياسة إلى جانب الموالاة، لا يعرف على الإطلاق اسم رئيس الحزب الحاكم.

حين ألتقيته لأول مرة ببلدة "برجيمات" (ولاية إينشيري) كنت قد رسمت له في مخيلتي صورة نمطية لا تتجاوز في أحسن الأحوال ذلك الشخص السياسي الساعى إلى تكوين "جماعة سياسية" مشاغبة ومن ثم "الترشح" كشيخ قبيلة، تساعده في ذلك 35 سنة من الخدمة في صفوف الشرطة الوطنية، توجه بعدها إلى الاستثمار في الزراعة على ضفاف "شمامه" الخصبة .. لكن كل ذلك اختفى فجأة بعد سويعة من النقاش والحوار الذي امتد ليصل كل المجالات والتجارب الحياتية، حيث اكتشفت أن المفوض العجوز لازال في مرحلة الثائر الشاب.

لذلك سارعت إلى إجراء المقابلة التالية معه :

إنيتي: من المعلوم أن مجموعتكم السياسية المكونة أساسا من لحراطين قد عقدت اجتماعا لها مؤخرا باكجوجت، هل هي بداية اصطفاف على أساس شرائحي؟ وماذا دار في الاجتماع؟

أحمدو ولد اميشين: نحن أطلقنا على ذلك الاجتماع تسمية لقاء "التضامن والوحدة"، لأننا نرمي من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين جوهريين، أما أولهما فهو اجتماعي؛ وهو يندرج في ضرورة إكمال اللحمة الاجتماعية التي بدأنا منذ سنة 1990 في توطيدها من خلال اللقاءات والاجتماعات، وبالرغم من مشاغلنا، إلا أننا نحاول حاليا إحياءها من جديد ابتغاء لإظهار القطيعة مع الماضي الموسوم بالفرقة، ووضع نظام يسمح بتكوين الجماعة ويسهل التضامن في ما بين أفرادها، هذا من جهة، أما الهدف الثاني فهو الجانب السياسي الذي نرمي من خلاله إلى خلق مجموعة وازنة وقادرة على دعم الرئيس "محمد ولد عبد العزيز"، وقد دفعتنا إلى ذلك عدة عوامل من بينها الوقوف في وجه المعارضة السياسية التي تسعى إلى تفريق الصفوف، وهو ما لم يتحقق بفضل مجموعتنا اليقظة.

إنيتي: هذا عن المرامي، ولكن هل كان الاجتماع مخصوصا بأحراطين الولاية؟

أحمدو ولد اميشين: لا، الاجتماع غير مقتصر على لحراطين، بل هو مفتوح أمام الجميع، وبصفة خاصة المجموعات المسماة بــ(أتلاميد أهل باركالله)؛ ولاسيما أولئك الذين تحرروا من سطوة السيطرة وارتقت أفكارهم إلى درجة اكتشاف الذات.

إذن، أؤكد أن الاجتماع ليس خاصا بلحراطين عن غيرهم، وكتوضيح بسيط فمفهوم لحراطين الذي يعني الشخص أو الأشخاص الذين تحرروا حديثا من نير العبودية، هذا الشكل غير موجود على الإطلاق في منطقتنا، ومن المعروف أن "أهل باركالله" هم مجموعات وطبقات وقبائل فهي تضم القبائل العريقة والمتضامنة في ما بينها؛ فأنت سواء كنت في تيرس أو في غيرها، وأينما حللت ستدرك ذلك بدون شك.. وهذا ما حتم علينا إعلان التضامن على الصعيدين الاجتماعي والسياسي.

إنيتي: ألا تخشون من مجابهة محتملة مع المجتمع التقليدي ممثلا في الزعامات القبلية والوجوه السياسية المعتادة على خوض غمار الانتخابات والظفر بها دون كبير عناء؟

أحمدو ولد اميشين: لا نلوي على شيء، لا على صعيد القبيلة ولا على صعيد الأعيان المحليين.. فنحن إجمالا غير معنيين بتلك الحساسيات الضيقة، حيث ننطلق من معارضتنا التامة للقبلية والقبيلة وإيماننا الراسخ أولا بالوطن ثم بأنفسنا.. لأننا الأقدر على خدمة الوطن، ولعلكم تدركون أن الوطن والقبلية يظلان متعارضين على الدوام، وترون نتيجة القبلية على الصومال ..السودان.. اليمن و آنغولا كأمثلة حية.

بهذه الرؤية يستحيل أن ينهض المجتمع أو يتطور على أساس قبلي.. إذن القبلية تعني الخراب وهي بمثابة معول لهدم الدولة.. ونحن نسعى على الدوام إلى تعزيز ركائز الوحدة في ما بيننا على الصعيد الاجتماعي والسياسي وبالتالي ورغم اختلافاتنا الظاهرة فنحن سنبقى وطنيين وموريتانيين فقط.

إنيتي: يشتكي الشبان المنحدرون من إينشيري من الاستنزاف المستمر للثروات المعدنية والمنجمية، وخاصة الذهب النادر والثمين، ودون أن ينعكس ذلك على تنمية ساكنة الولاية أو يمتص بطالة طاقاتها المعطلة، باختصار هل تأخذون ذلك التحدي بعين الاعتبار؟

أحمدو ولد اميشين: إننا لا نسعى بداهة إلى المساهمة في هدر الثروات سواء كانت في الولاية أو خارجها، ونقف بحزم ضد الأساليب المعيقة للتنمية المحلية إن لاحظنا حدوثها، ولكننا نلمس عناية الحكومة بالقطاع المنجمي وتوجهها القاضي بترشيد تلك الثروات.

أما إذا كان السؤال يتعلق بالانعكاسات الاقتصادية على السكان، فنحن نعرف أن ذلك حاصل إلى حد ما، فقد حصل الكثيرون على مهن يعتاشون منها، وهنالك المهندسون والفنيون، كما تم تكوين العشرات ... ولكننا نعترف أيضا أن الشركات الاستثمارية ليست بالرحيمة فهي لا تلجأ إلى الاكتتاب إلا إذا كانت هنالك حاجة كما لا يجري الاكتتاب على أسس عشوائية فالأبواب تفتح فقط لأصحاب الكفاءات، ونحن نلاحظ للأسف ضعف أبناء الولاية مهنيا وفنيا.

إنيتي: ألا ترون معنا ان المسؤولية عن هدر الثروات تقع على عاتق النظام الحاكم المتهم بتفقير الشعب من اجل إغناء محيط الرئيس "عزيز" و الأقربين منه؟

أحمدو ولد اميشين: هذا خطاب المعارضة وهي المسئولة عنه، فموريتانيا بدأت تشهد ازدهارا فعليا لا مثيل له منذ عامين حيث يسوس الحكم نظام يسعى إلى تكوين البلد معنويا وماديا؛ فقد أقام المشاريع في داخل البلاد وشيد الطرق. ومن اللازم أن يمنح الوقت حتى يكمل مسيرته التنموية، وانتم تعلمون أن "أل يخلق أف مرة وحده ألا الموت" والمثل يقول ايضا "أتوامه ألا بأتسابيق".. كما أن الجميع يدرك أن تكوين دولة حرة وقوية ومزدهرة لا يمكن أن يحصل دفعة واحدة..

المعارضة لديها خطابها وأنا أنأى بنفسي عن تقولاتها حيث أنني لست من أحزابها.. وفي الحقيقة فمحمد ولد عبد العزيز ليس نبيا ولكنه أنجز الكثير من المشاريع، وهو يمتلك العزيمة و يصحبها بالعمل. وهذا بالنسبة لنا نحن يعني الرضا التام.. ولسنا معنيين بكلام الغير ولا نأخذ به.

إنيتي: بصفتك ضابط شرطة متقاعد، ماذا يعني بالنسبة لك الوضع الوظيفي (Statut) لجهاز الشرطة؟ مع العلم أن بعض البرلمانيين طالب مؤخرا بإخراج النظام الأساسي للشرطة الوطنية، وإخراج الجهاز من الوظيفة العمومية؟

أحمدو ولد اميشين: في سنة 1982 كنت من ضمن ضباط الشرطة الأوائل الذين تم تكليفهم بتصور وإعداد نظام خاص بالشرطة الوطنية، وقد علمنا أن ذلك المشروع هو الذي اعتمد عليه النظام الحالي مشكورا من اجل القيام بإحداث إصلاحات في هذا القطاع الفاسد.. وذلك عائد إلى النقص الكبير على صعيد التكوين والتأهيل، وقد لاحظت ذلك بنفسي في داخل المدرسة الوطنية للشرطة، وهنالك هيئات وعناصر أساسية باتت غائبة أو معدومة تماما، وكمثال على ذلك لا يوجد لدينا جهاز الشرطة العلمية مع العلم أن بعض العناصر التي سبق لها وان تخصصت في المجال إما أنها تعرضت للتهميش أو الوفاة.. و بالتالي ما دامت الشرطة العلمية غائبة فدور الشرطة يبقى غير موجود ولا يتيح لها امتلاك الفعالية الكافية... وهذا ينعكس سلبا على أداء الشرطة عموما .. كما أن المسئول عن لجوء الشرطة إلى اخذ 200 أوقية هو ذلك الشخص الذي يخصص للشرطي راتبا هزيلا لا يمكنه من توفير الغذاء والملابس لأطفاله.. إن من يفتقد لذلك سيلجأ لا محالة إما إلى السرقة أو القتل أو الهروب ..

إن الشرطي الذي يجد نفسه طيلة اليوم على قارعة الطريق تظل تختمر في مخيلته صورة أطفاله البائسة حيث يتركهم بدون "الصاير" .. ولن يكون أمامه سوى ذلك السلوك.. وعلى العموم فجهاز الشرطة لا يمكن للدولة الاستغناء عنه في مهام ضبط امن الأفراد والأموال والحد من الإجرام، وعلى الدولة الإسراع إلى تكوين الجهاز وحمايته، و سيؤدي ذلك إلى قلب المظاهر الحالية تماما.

إنيتي: بمعنى أن جهاز الشرطة الموريتانية فاسد؟

أحمدو ولد اميشين: نعم هو فاسد.

إنيتي: ما هي آليات إصلاحه؟

أحمدو ولد اميشين: ينبغي التوجه كما قلت إلى مجالات التكوين فنيا ومهنيا، عبر تكليف الأكفاء سواء كانوا وطنيين أم أجانب بإعادة تكوين الشرطي العامل والمتربص وبدون ذلك لا أعلق كبير أمل أو فائدة على الجهاز الأمني لأنه يفتقد المهارات الأمنية اللازمة وفاقد الشيء لا يقدر على إعطائه.. و بالإجمال فنحن نفتقد إلى العناصر القادرة على تأدية مهمة التدريب والتكوين المهني.

إنيتي: تعرض احد المواطنين لاعتداء وصف بالعنصري في بلدة "برجيمات" وقد أعلن عن وقوفكم إلى جانبه، ما هي حيثيات تلك القضية؟

أحمدو ولد اميشين: هذا الشخص لا اعرفه جيدا، ولكنني سمعت انه شخص طاعن في السن ومصاب بالشلل النصفي، وتعود جذور القضية إلى أن السيد المذكور كان يرعى جماله بالبلدة المذكورة حين أقدمت مجموعة على تحذيره من الانتجاع في المكان، قبل أن يقوموا بالاعتداء عليه وتكبيله بالحبال ومن ثم رميه في مؤخرة سيارة.. وأحسب الإعلام قد تابع تفاصيل القضية ونقلها إلى الجمهور.. لكن الغريب يكمن في محاولة إظهار الضحية كمجرم عبر العمل على الفصل (ségrégation) بين عملية الاعتداء والملابسات التي اكتنفت القضية، فتم إلزام الشيخ الكبير في السن بالخضوع للرقابة القضائية بينما لم يتم توجيه الاتهام إلى الجلادين بصفتهم مجرمين. لقد أظهرت هذه القضية انعدام العدالة بشكل واضح.

إنيتي: كيف تبينتم ذلك في ظل حكم انتم راضون عنه ؟

أحمدو ولد اميشين: غياب العدالة يعني فقط تقصير الجهاز القضائي.

إنيتي: هل تملكون تصورا أو حلا لتخفيف الانتهاكات والتجاوزات ضد لحراطين وخاصة ما يتعلق منها بإلغاء العبودية؟

أحمدو ولد اميشين : النظام العبودي ساد في جميع أنحاء العالم. وقد تم تحريمها في جميع أنحاء العالم، بينما كنا نحن في موريتانيا عبارة عن بدو رحل يبحثون عن الكلأ والمرعى .. وكان النظام الاجتماعي حينها يعتمد على شراء وسرقة الغلمان ومن ثم تعبيدهم وتسخير قواهم كرعاة لقطعان الإبل .. واليوم أصبحت الدولة قائمة والحكومة صارمة في مواجهة الظاهرة كما سعت إلى حماية الضحايا عبر سن القوانين الرادعة، ومن جهة لا تزال الآثار عالقة وتذكيها العقلية الاستعلائية. والذين يسعون إلى كفاح هذا التحدي عليهم أولا بمواجهة التكبر من الجذور وكذلك القبلية.

من الضروري هزيمة المتكبرين أولا؛ لأجل أن يدرك المواطنون حرمة التكبر وتندحر المشاعر القبلية تاليا. وهذا يقتضي أن يكون النضال أولا ذا منطلق وطني، وبالتالي أنا ارفض تصدير قضايانا الاجتماعية بما في ذلك العبودية إلى المحافل الخارجية. إن المنطق يحتم علينا العمل والتفاهم حتى نجد الحلول لمشاكلنا الاجتماعية العالقة داخل هذا الوطن. كما أن دور الدولة يكمن في المحافظة على الإجماع الوطني عبر هيبة القوانين وتطبيقها على الجميع دون استثناء، بينما على المواطنين هجر القبلية وترك التيارات السياسية التي برهنت على فشلها في الدفاع عن مصالح المواطنين وأبانت عن تهافتها على ملء الجيوب من الخارج. إنني باختصار اعتبر أن التحدي الأساسي أمامنا يتمثل في ذلك الثنائي المتمثل في القبلية والتكبر.

وعلى صعيد بناء الذات والاستقلالية ينبغي على الضحايا التوجه إلى العمل والإنتاج، يمكنهم مثلا أن يكونوا مثلا رعاة ما من معرة في ذلك، فقد كان رسول الله راعي غنم وكذلك الأنبياء، و أنا اعرف مرة أخرى أن التكبر والقبلية هما المعيق الأكبر أمام المساواة التامة أمام القانون.

إنيتي: ما هو موقفك الشخصي من الشخصيات الوطنية التالية:

أحمدو ولد اميشين: تفضل،

إنيتي: محمد محمود ولد محمد الأمين؛ رئيس الاتحاد من اجل الجمهورية..

أحمدو ولد اميشين: لا أعرفه..

إنيتي: رجل الأعمالمحمد ولد بوعماتو،

أحمدو ولد اميشين: شخص فضيل وصديق حميم، وقد "أخون" في الشهادة له، ولكنه رجل وطني ولديه المال ويعين الضعاف ويعالج المواطنين مجانا.

إنيتي: السفير والسياسي بلال ولد ورزك،

أحمدو ولد اميشين: شخص فضيل، التقيت به مرتين فقط ، وهو شخص وطني ومكون بامتياز دون شك،

إنيتي: السياسي اليساري جمال ولد اليسع،

أحمدو ولد اميشين: اسمع به دون أن أعرفه

إنيتي: المناضل الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي،

أحمدو ولد اميشين: زارني مرة، وانتقد عليه "اتبعريصو" ، وينبغي عليه التبسط مع الناس، مع أن القضية التي يدافع عنها حقيقة ولها آثار معاشة وهو يكافحها بأسلوب اتفق معه في بعضه واختلف معه في البعض الآخر.

حوار/ عبيد ولد إميجن