ليس من المعروف ولاالمألوف من قيم مجتمعنا ان يذكر المرء محاسن ابيه او احد أبويه بل عليه ان يترك ذلك للآخرين - وقد فعلوا وأجادوا مشكورين- ،، ولكنه من الناس رجال ليسوا خاصية لأهلهم ولا حكرا علي ذويهم بل هم حق مشاع للجميع تماما كالماء والكلإ لعموم نفعهم وواسع ريعهم فالناس فيهم سواسية
بالامس رحل عبد الله ول الشيخ عن دار الفتنة والابتلاء الي دار الأجر والجزاء وفجع بذلك جم غفير وخلق كثير وحُق لهم ذلك
وقد تناولت الفاجعة اقلام عدة وعبر كثيرون - من الأهل بالنسب والاهل بالمودة - عن خالص عزاءهم وعظيم مصابهم وذكروا مآثر الرجل وخالد ذكره في سالف أيامه ،،.
وانا هنا لن أتكلم عن ماضيه النضالي ايّام الشبيبة مع رفاقه وهم يكابدون الجنين النشأ "موريتانيا " ليخرجوه من الظلمات الي النور ومن الحلم الي الحقيقة ، ، ولا عن ماضيه الوظيفي من الوزارة الي الادارة والولاية والأستذة فقد تكلم عنه كثيرون وقد يتكلم عنه اخرون وهو حقيق بذلك ،، كما لن أتكلم عما اصدره من مراسيم وقرارات في قطاع النقل انشاء وتنظيما وضبطا مما عم نفعه وحسن اثره ولا يزال الكثير منه يُعمل به الي يوم الناس هذا ،، ولا عن انشاء شركة سونمكس في سنين عجاف حين جاء الجفاف وغلت الأسعار وقلت المؤونة فسهل للناس معاشهم ويسر عليهم أرزاقهم بجهد المقل وعزيمة الصلب واخلاص الشفيق ..
ولا عن تيسير السُّبُل بشق الطرق وحفر الآبار وضبط الحوزة الترابية للبلد تخطيطا وتنظيما وذبا عن الحياض في كل من تيرس والحوضين ... الخ
فكل ذلك معلوم مشهود السنة الناس تلهج به والوثائق تثبته ..
ولكني سأتكلم عن عبد الله ول الشيخ بين اهله وذويه ،،، قال صلي الله عليه وسلم " خيركم خيركم لاهله وانا خيركم لاهلي " كان عبد الله يعلم هذا الخُلق النبوي وهذا الهدي الرباني فكان يتمثله في حياته مع أهله كما هو شانه مع كل مكارم الأخلاق اللتي حسنتها الفطرة السليمة وحث عليها الشرع الحنيف ، فكان يفعل كثيرا من ذلك جِبلَّة وطبيعة ويكمل ما بقي تسنُّنا وامتثالا ،
فكان شديد البر بوالديه مارفع صوته لهما قط وما عصي لهما أمرا في الصغر ولا في الكبر ، وقد سئل والده احمد ول الشيخ رحمه الله يوما عن بر الأبناء فسكت ثم قال (عبدالله بعد بار ) ، وأما والدته فكانت شديدة الحب له كثيرة الثناء عليه ،، وكانت اذا أرسل اليها احد في حاجة ولَم يصادف ان كانت عندها قالت له ( حان عبدالله إج ) ويكون ذلك وعد غير مكذوب ،،
وأما أكابر أهل الحي والجيرة فحاله معهم معروف مشهور من الود والتفقد الدائم والزيارة والإهداء والتبسُّط في الحديث والتوقير والاكرام ، وكانت زيارته الشهرية المنتظمة للحي تُنجز منها الوعود وتُقضي منها الديون والاوطار
وأما صغار الأهل وشبابهم فكان اذا بلغه عن احدهم تصرف فيه طيش او زلل أرسل اليه ونصحه ووجّهه وارشده ورده الي الجادة حفظا للكرامة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر ورعاية للمودة والقرابة والرحم وذبا عن حياض المُثُل والقيم ..
وقد كان رحمه الله جميل المُحَيّا بهي المطلع تعلوه الهيبة والوقار عليه سمت الأشراف وبهاء السؤدد ، يهابه جلساؤه ويصغون اليه ،، اذا كان في مجلس تصدره كائنا من كان فيه وان سأل احد عن علم او خبر نظرت اليه الاعين واصغت اليه الآذان عفوا وبديهة كأن حالهم يقول : عند جهينة الخبر اليقين ، ولا يفتي ومالك بالمدينة ..
وكان رحمه الله حسن الهيئة نظيف الجسد والثياب طيب الرائحة تَقَر به العين وتسكن اليه النفس ،،، قال الامام الاوزاعي رحمه الله ان الرجل اذا عف لسانه ونظُف بدنه وثوبه وطابت ريحه فقد كمُلت مروءته ،،. وانا اشهد ان فقيدنا وفقيد الوطن بل فقيد الانسانية قدكملت مروءته علي مذهب امام أهل الشام بل علي جميع المذاهب المعتبرة في العقل والشرع ،..
وقد كان رحمه الله منشغلا بما يعنيه معرضا عن غيره مقبلا علي شانه ، همه المعروف بذلا وإفشاءا ،،
كان رجل الاستقامة ونظافة اليد (محمد ول الداه ول عبد الفتاح ) يحبه ويقدره ويزوره غِبا ، وقدقال لي يوما وهو يحدثني عنه : لم يعد بالإمكان النظر اليه ( ما اتل إكد يخرص ) قلت ولماذا قال لجمال وجهه وشدة نوره ،، قلت في نفسي ان نور الوجه من نور السريرة وصفاء النفس وسلامة الطوية وانعدام السخيمة ،،
وقد كان مع ذلك شديد المعرفة بالناس خبيرا بهم فما رأيت احدا زاره -من اَي نواحي القُطر كان - الا عرفه بديهة او حين يُعرّفُ بنفسه يسأله عن بقية أسرته سؤال العارف الخبير فيسأله حتي عن الطلاب في الخارج وعن دراستهم ويعرف حتي في اَي مجال يدرسون وأي منهم علي نفقة الدولة او علي حسابه الخاص ويسأله كذلك عن الشيوخ والمرضي ويعرف المغترب من المقيم ،،.
ونحن الْيَوْمَ اذ نعبر للجميع عن حزننا لفقده كما عبروا لنا عن خالص عزاءهم وعظيم مصابهم ، فإننا نقول لهم : ان حزننا ليس علي الفقيد رحمه الله فالبشارات النبوية لمثله وفيه تطفح بها الكتب ويضيق عنها المقام ، وفِي الأثر عنه صلي الله عليه وسلم قال : "ان الله تعالي لن يُحسِّن خَلْق احد وخُلُقه ثم يُطعِمه النار أبدا "
وقد جاء في الأخبار ان امرأة في صدر الاسلام توفي ابن لها وهو مسرف علي نفسه منحرف عن جادة الطريق فحزنت عليه حزنا شديدا وجاء اليها المعزون فلم تتعز ولَم تسل عنه بشيء حتي جاءها الامام علي ابن الحسين زين العابدين فقال لها ان وراء ابنك ثلاث خصال في كل منها كفاية وقد تظاهرت عليه وله، اما الأولي فشهادة أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، والثانية شفاعة محمد صلي الله عليه وسلم والثالثة رحمة الله تعالي من بعد ذلك ،،فتعزت وسكنت وهدأت ،،
وهذه الثلاثة لكل مسلم كائنا ما كان حاله فما بالكم بذي شيبة في الاسلام أعطي وقته وجهده خدمة للناس وبذلا للمعروف وكفا للأذي وطاعة لله شهدت بذلك السنة الناس وهي اقلام الحق ، وشهد به نور الوجه وسمت الصالحين ، وأظهره الله علي الرجل في آخر أيامه صفاء في اللون ونقاء في البشرة وخفة وليونة في البدن ، وهي أمارات للسعادة وحسن المثوبة أحصاها وذكرها العلماء كالإمام القرطبي في التذكرة والجامع وغيره ، فخوفناوحزنناذا ليس عليه هو بل علينا من بعده فقد كان لنا نحن معاشر الأبناء والاهل والرحم -بعد الله تعالي - دوحة نتفيؤ ظلالها ونسترغد العيش تحتها فيتعلم منا الجاهل وينصر المظلوم ويتربي المنحرف وتتقوّي بيننا الأواصر وتشتد اللُّحمة وتصفو المشاعر ويقوي الشعور بالاسرة الواحدة ،، اما الْيَوْمَ وبعد رحيله فقد زالت تلك الدوحة وتقلص ذلك الظل فالله بحالنا من بعده اعلم وهو حسبنا ونعم الوكيل ،،...
أبتي لساني في رثائك خانني
ما طاوع القلب الجريح لساني
ماذا أقول وهل كلامي منصف
في حق قطب راسخ رباني
أبتي تمزقت القلوب وقطعت
أوصالنا طاحونة الأشجان
وتفرق الشمل اللفيف اذا اختفي
نور الابوة في دجي الأكفان
كنه المروءة والرجولة والشهامة
والشجاعة بعد موتك فاني
لا لا تعزوني وعزوا هذه الدنيا
اللتي خسرت عظيم الشاني
تغمده الله برحمته وجازاه عنا خير ما جازي ابا عن ابنائه وذويه وانا لله وانا اليه راجعون لله ما أعطي وله ما أخذ وكل شيء عنده بأجل مسمي وله الامر من قبل ومن بعد وهو اللطيف الخبير
وأخيرا فإنني باسمي وباسم أسرة الفقيد واهله وقريته وجهته أتقدم بجزيل الشكر لكافة مجتمعنا الفاضل النبيل ولجميع المواقع الإخبارية اللتي أعلمت وعزّت وواست،، ولأصحاب صفحات التواصل الاجتماعي العامة والخاصة اللذين كتبوا مشكورين مأجورين شاهدين بالخير والفضل لأسرتنا ولفقيدنا ، وللذين حضروا او اتصلوا معزّين مواسين ، فجزاهم الله جميعا كل خير وجعلنا عند حسن ظنهم في قابل أيامنا وأيامهم ،،..
والحمد لله رب العالمين علي كل حال