كَرِهَ الرجلُ الصالح الشيخ ولد أحمد محمود تسمية المكان الذي بدا له أنه سيدفن فيه “الْعِيوِجْ”، فغير اسمه، وسماهُ: “لـمْسَگَّمْ”، تفاؤلا بالإستقامة، فأخلفه الله في عقبه استقامة بقيت فيهم إلى اليوم، طبعا لا تطبعا..
في مثلث جغرافي من عمق آمشتيل، قاعدته بين لـمْسَگَّمْ شرقا، و أوَادِ غربا، ورأسه عند بتلميت جنوبا، ولد عام 1932، ونشأ رجل الدولة الحق عبد الله ولد أحمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود، من أم سلمة (بَتَّ) منت محمد اليدالي..
نشأ في إرث علمي و قيادي عظيم، وتلقى تربية عميقة، وقسطا وافرا من علوم النقل والعقل، وثقافة المجتمع، ودلف إلى المدرسة النظامية، فتأهل في أول دفعات جيل تأسيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية..
عمل عبد الله ولد الشيخ إداريا مدنيا، حاكما وواليا في دوائر عديدة، ثم ترقى إلى الوزارة، فكانت له جهود جبارة في بناء السرح الذي نتفيأ ظلاله اليوم، وخرج من الوظيفة العامة صفر اليدين، فألجأته الظروف إلى مواصلة العمل بتقديم خبرته لمؤسسات وشركات تجارية ليكسب قوته..
جمع عبد الله بين أشياء يكاد جمعها يستحيل: الأخلاق الرفيعة التي لا يكدرها التعاطي مع مشاكل الناس بطباعهم المختلفة، وبداوتهم الفطرية، وصرامة رجل الدولة الذي لا تأخذه في هيبة الدولة وعلو مقامها لومة لائم، كما جمع بين عمق المعرفة بالثقافة التقليدية والثقافة المعاصرة، مع التزام ديني كبير..
المستقيم من الموظفين: المتعففُ عن الرشوة، وأكل ما تحت يده من ميزانيات التسيير، لكن استقامة رجل الدولة عبد الله ولد الشيخ من نوع آخر، تنزل به مقامات شأوها بعيد على غيره..
حدثني الوزير المفوض بمنظمة العمل العربية، الإطار الموريتاني البارز، محمد عبد الله ولد أبيدش حفظه الله – وكان التعرف عليه من نعم القاهرة عليَّ – أنه سافر معه مرات، وهو وزير في مهام رسمية خارجية، فكان حين يرجع يعيد ما بقي لديه من مبالغ مالية تسلمها كمصروفات سفر “أفْرِي دمسيوهْ”، فيحرر محمد عبد الله بأمره وثيقة إعادة تلك المبالغ.. هل ستملكون أن لا تتعجبوا!!، هنا الفرق بين استقامة عبد الله ولد الشيخ واستقامة أقْوَم الآخرين، ففي عرفنا هذه المبالغ حلال طيب، يتسابق الموظفون إلى الأسفار الخارجية طمعا في تعويضاتها..
حدثني الوزير المفوض محمد عبد الله ولد أبيدش أيضا أن الوزير عبد الله ولد الشيخ كان في الخارج، وقبل مغادرة مقر إقامته إلى الاجتماعات التي يحضرها، يلتقي أعضاء وفده، فينظر في هيئة لباسهم: (ربطات العنق – الأحذية..) وكان جل الموظفين وقتها حديثوا عهد بالمدنية وبالخارج، فيوجه بما يصلح كل ذلك، ويسدي لهم النصائح، ويذكرُ أنه مما يقوله لهم: “إِگِدْ حَدْ يتْنَيْمَشْ مَانْفطَنْلُ”، فقد كان البعض ينبهر لرؤية أشياء في عواصم العالم لم يألفها، فيذهب به النظر بعيدا، وكان عبد الله ولد الشيخ يريد لمن يمثل موريتانيا أن يكون كما ينبغي، وهكذا رجل الدولة..
فجر اليوم توفي رجل الدولة عبد الله ولد الشيخ ولد أحمد محمود على المحجة البيضاء، والإستقامة الحق، واستقبل بوجهه الوضاء ولحيته المهيبة وعمله الصالح الدارَ الآخرة، ودفن إلى والديه، ومن تقدمه من إخوته عند لـمْسَگَّمْ، “وشبهُ الشيء منجذب إليه”، كما قال ابن الحسين المتنبي..(لـمْسَگَّمْ 63 كلم جهة الشمال من الكلم 27 على طريق الأمل شرقي بتلميت)..
غفر الله له، ما أعظم ما كان عليه من جوامع خصال الفضل، وما أعظم المصاب فيه، لأسرة ومدينة ودولة وشعب، لولا التسليم لقضاء الله وقدره..
ولأهل الشيخ ولد أحمد محمود: مصابكم مصاب الأمة الموريتانية، أعظم الله الأجر وأحسن العزاء، وبكم نتعزى، وعند الله نحتسب، رحم الله السلف منا ومنكم، وبارك في الخلف..
القاضي: أحمد عبد الله المصطفى