حين أطاح قادة المؤسسة العسكرية بنظام الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله؛ إثر تفاقم الأزمة بينه وبين أغلبيته البرلمانية آنذاك ؛ وتولى الجنرال محمد ولد عبد العزيز مقاليد السلطة، كان أول قرار يتخذه هذا الأخير هو تعيين سفير موريتانيا في بلجيكا والاتحاد الأوروبي مولاي ولد محمد الأغظف الذي تم تعيينه في السفارة من طرف المجلس العسكري قبل ذلك بسنتين ، وزيرا أول على رأس حكومة مدنية، مع الإبقاء على غرفتي البرلمان (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) على حالهما؛ عكسا لما درجت عليه الأنظمة العسكرية الأخرى في البلد وفي غيره من بلدان العالم الثالث.
أطلق النظام الجديد مسارا أحاديا لتنظيم انتخابات رئاسية في يونويو 2009، بعد تنظيم جلسات وطنية بمشاركة تشكيلات سياسية؛ كان من ضمنها حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض (ثاني حزب من حيث التمثيل البرلماني حينها)، وفعاليات شعبية عديدة؛ وأعلن ولد عبد العزيز نيته الترشح لخوض الرئاسيات بعد أن استقال من المؤسسة العسكرية ومن منصب رئيس الدولة؛ وأوكل منصب رئيس الجمهورية؛ بالإنابة؛ لرئيس مجلس الشيوخ بقرار من المجلس الدستوري.. لكن القوى السياسية الرافضة للانقلاب قاطعت ذلك المسار واعتبرته بلا أساس دستوري.
في هذا الخضم، برزت مبادرة دولية قادها الرئيس السنغالي (آنذاك) عبد الله واد، ونالت مباركة المجتمع الدولي، وفي طليعته الاتحاد الأوروبي وفرنسا.. وانطلق مسار مفاوضات دكار بين وفد يمثل الحكومة والسلطات العسكرية، وآخر عن الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية؛ وثالث يمثل حزب تكتل القوى الديمقراطية الذي تخلى عن موقفه الداعم لخارطة الطريق التي رسمها المجلس العسكري غداة الإطاحة بالرئيس ولد الشيخ عبد الله.
وبعد نقاشات مضنية وتنازلات من هذا الطرف وذاك؛ واصطدام جلسات الحوار بإصرار القوى المناوئة للسلطة القائمة (بأمر الواقع)، على عودة؛ ولو رمزية؛ للرئيس المخلوع حتى يترك منصبه طوعا وبملء إرادته، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يوقع على مرسوم تعيينها؛ وهو ما رفضه قادة النظام العسكري يومها.. تدخل ما عرف ـ حينها ـ بلجنة الاتصال الدولية حول موريتانيا (الاتحاد الإفريقي، الأمم المتحدة، منظمة الفرانكفونية الدولية...إلخ)؛ ولعب الرئيس واد ووزير خارجيته، يومها، الشيخ التيجان غاديو، دورا دبلوماسيا ناجعا مكن من تذليل العقبات ودفع الفرقاء الموريتانيين إلى القبول بتسوية توافقية للخروج من الأزمة.. وتم إبرام اتفاق دكار برعاية دولية ليتم الشروع في تطبيقه على الفور!
بعد حضور الرئيس ولد الشيخ عبد الله حفل التوقيع النهائي على اتفاق دكار بقصر المؤتمرات في نواكشوط، وقع على مرسوم تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على الانتخابات الرئاسية التي تقرر إجراؤها يوم 18 يوليو 2009؛ وألقى خطابا بث عبر الإذاعة والتلفزيون العموميان؛ أعلن فيه تنحيه عن السلطة.
وبموجب الاتفاق الجديد، تحول ولد محمد الاغظف من وزير أول في سلطة مطعون في شرعيتها، إلى رئيس لحكومة وحدة وطنية توافقية تحظى بإجماع كل الأطراف السياسية في البلد
بعد الانتخابات تم تعيين ولد محمد الأغظف وزيرا أولا للمرة الثالثة على التوالي ليحكطم بذلك الرقم القياسي في قيادة الحكومة منذ ميلاد الدولة الموريتانية الى اليوم حيث مضى مأمورية كاملة من خمس سنوات إلى أن تمت إقالته بعد الإنتخابات آلتشريعية أغسطس 2014 وتعيين ولد حدمين خلفا له في قيادة الحكومة.
الملفت للإنتباه أن بعض أنصار الرجل الذين تخلو عنه منذ خروجه الوزارة الأولى ظهروا قبل أيام في بعض أحياء العاصمة انوكشوط،خاصة في مقاطعتي تيات وتفرغ زينة يوزعون ملصقات تطالب بتعيينه من جديد بعد أن باءت جهوده الشخصية بالفشل في رد الإعتبار له من طرف الرئيس .
ويعتبر هذا النوع من التعبير،أو المؤازرة-إن صح التعبير-طريقة جديدة في التذكير بهذه الشخصية التي يرى أنصارها أنها تستحق لفتة وإعادة ثقة من رئيس الجمهورية لهذا الرجل الذي وقف إلى جانب النظام في أصعب المراحل،وأحلك الظروف.
غير أن معارضي الرجل لا يرون أنه يستحق فرصة جديدة،بعد أن تبوأ أعلى المناصب،وتربع على كرسي الوزير الأول لأزيد من سبع سنوات،وترأس حكومة الإنقلاب،ثم حكومة اتفاق داكار،ثم حكومة المأمورية الأولى لرئيس الجمهورية،حيث لم يستطع الرجل إرضاء محيطه،بل كان محل سخط المجموعات القبلية في الحوض الشرقي،حيث خاض أصعب المعارك من أجل الحصول على بلدية ريفية هي مسقط رأسه ( بلدية بنكو ) ،فيما خسر الحزب الحاكم في فترة وزارته أكبر بلديات الولاية ؛ بالإضافة إلى بلدية عاصمة الولاية ، بلدية النعمة لصالح حزب تواصل،حيث وجد الساكنة أنفسهم مكرهين للتصويت للمعارضة-لا حبا بهم- بل كرها لسياسة الوزير الأول الذي اختار السعي من أجل إرضاء مجموعة قبلية،خارج ولاية الحوض الشرقي ،محاولا بذلك إيجاد أواصر دموية مزعومة،لا يعترفون بوجودها أصلا،وذلك ما ظهر جليا من خلال تنكر أعضاء منها في البرلمان له ،بعد خروجه من الوزارة.
ويرى مقربون من النظام أن السيد مولاي ولد محمد الأغظف أصبح من المستحيل أن يجد موطأ قدم ،في الخارطة السياسية الجديدة،بعد أن وصلت الخلافات بينه وبين رأس النظام أَوَجَها،خاصة بعد المشاكل المتكررة،التي بدأت بعصيانه لأوامر عليا،أوكلت إليه المشاركة في حملة التحسيس والتعبئة للإستفتاء،وانتهاء بكشف ملفات تنسيق بينه وبين رؤوس من المعارضة ،ومشاركته في الإستماتة من أجل إسقاط الدستور،على مستوي مجلس الشيوخ،التي تم تسريب أجزاء كبيرة منها فيما بات يعرف محليا ب ( تسريبات ولد غدة ) .