بعد سنوات ثلاث إلى أربع من الصراع السياسي المحموم بين قطبي النظام و وزرائه الأول انقسم النظام التنفيذي إلى فسطاطين كل واحد منهما يهدم ما بناه الآخر و في مرحلة من المراحل شكلت مؤسسة الرئاسة " أمينا عاما و مستشارين و الديوان وقليلا من الوزراء و بعض المؤسسات " قطبا في مواجهة الحكومة " وزيرا أول و غالبية الأعضاء و معظم مسؤولي الدولة و جهازا سياسيا ممثلا في الحزب الحاكم "
في النهاية تغلب القطب الموالي للوزير الأول و تمت إقالة الأمين العام للرئاسة الدكتور ملاي ولد محمد الأغظف و لم تكن الإشارات الإيجابية التي لقيها بعد ذلك في الحملة من مرافقته للرئيس إلا تفنيدا لبعض الإشاعات المتعلقة باختراق النظام من أبرز خصومه ـ و قد انتهت المهمة ـ
و بدا بعد ذلك أن الأمر استتب للقطب النافذ المتمثل في الوزير الأول المهندس يحيى ولد حدمين الموصوف بالذكاء و القدرة على التخلص من خصومه حيث يبدو أنه أصبح عارفا بالجانب النفسي للرئيس و ما يحب من مسؤوليه و ما يكره منهم .
و لم يأخذ منه التخلص من الوزراء المارقين عن سربه سوى بضعة أشهر فكان يرميهم خارج الحكومة واحدا تلو الآخر ..
غير أن علاقته الآن بحليفه السابق الأستاذ سيدي محمد ولد محم ليست على ما يرام حيث بدأ التوتر قبيل حملة التعديلات الدستورية على إثر مهرجان روصو الكبير الذي ظهرت فيه قوة الحشد مقارنة بمهرجان مقطع لحجار و هو ما رآه ولد حدمين منافسة له و بدأ يأخذ مسافة ما لبثت أن تحولت إلى مواجهة صامتة حتى أنه ساند آراء لوزير المالية النافذ المختار ولد اجاي الذي تقدمه بعض الأوساط كخليفة له و رئيس للحكومة القادمة ـ تقدمت أو تأخرت ـ ، سانده لإغاظة حليفه بالأمس و خصمه الجديد .
فقد كان ولد محم يرى أن وزيرا مكلفا بالجبايات و الضرائب لا يجب أن يوجه للناخبين تجارا و رجال أعمال يسألهم الأصوات و المساعدة في التعبئة و هو الذي كان بالأمس يثقل كاهلهم بالإتاوات !
كما كان يرى أن العاصمة نواكشوط أكبر من أن توكل لوزير واحد حيث اقترح أن يخلق جو تنافسي بين ولايات نواكشوط الثلاث هذا فضلا عن مقترحه بضرورة تمويل الحملة تمويلا سخيا لاستقطاب للناخبين .
في النهاية اختار الرئيس رأي وزير المالية الصاعد المساند بقوة و إن في صمت للمهندس يحيى
الآن مر على هذه الأزمة 3 أشهر أو تزيد دون أن تتطور أو تخمد و لعل ذلك الهدوء هو ما يخيف كل طرف .. لما يتصف به كل جناح من الدهاء و الحنكة و قدرة على التخلص من الخصوم .
فهل يتمكن المحامي النابه الذي شق طريقه سريعا متجاوزا عديد الصفوف و متخلصا منها و التي كان آخرها " محسن ولد الحاج " من إقناع ولد عبد العزيز بخطة جديدة يعيد فيها ترتيب بيته بما يقوى النظام و يدعم أركانه
أم أن قوة ولد حدمين و ذكاءه قد تصل إلى التدخل في الذراع السياسي للنظام بحيث يخلو له وجه الرئيس ..، ليبقى فقط الوزير " مختار " و لن يعجزه مبرر وجيه يبعده فيه عن أحلامه و ما يشيعه أنصاره .
أما الرئيس فيبدو متماسكا غير مستعجل في أمره .. يعرف في قرارة نفسه أن نظامه يمر بظرف صعب و أن خصومه يترصدون له كل مرصد و أن الوقت ليس وقت الصراع العقيم.