يعيش العالم موجة ثانية من جائحة كوفيد 19 طالت جميع الدول أو تكاد؛ وكنا قد حذرنا في بدايتها من خطورة تطورات الحالة الوبائية على البلد، منذرين وداعين إلى اتخاذ اجراءات وقائية لتفادي الخطر؛ كان ذلك قبل عيد الأضحى الماضي بأسبوع تقريبا، حين كتبنا: " (...) حتى لا تتحول فرحة العيد إلى موجة وبائية ..."
ثم أعدنا الكرَّة بعد ذلك، محاولين -مثل اعلاميين ومدونين آخرين- مواكبة انتشار الموجة الوبائية العالمية المتكررة، حيث أطلقنا من جديد صفارات إنذار عديدة، من بينها تلك التي صدرت قبيل إعادة افتتاح المدارس، تحت عنوان:
" كورونا وافتتاح المدارس: حتى لا نخاطر بصحة ابنائنا وصحتنا في ظل تراجع الفحوص واهمال الاجراءات الاحترازية...!"
غياب متزايد للشعور بالخطر ...!
إلا أن توقعاتنا وصرخاتنا لم تأخذ في الحسبان أمرا غاب عن بالنا تماما: موريتانيا قد تكون معها بركة تجعل منها استثناءً غريبًا من الصعب إدراكه على المنطق العقلاني.
فحسب المعطيات المتوفرة، والمظاهر والممارسات السلوكية التي يتحلى بها المواطنون منذ شهور، نلاحظ أن الناس لديهم شعور سائد بأن خطر الوباء قد ولى نهائيا. ويتمثل ذلك عمليا في اهمال متزايد للإجراءات الاحترازية وعدم التقيد بها لدرجة أن الناس عموما لم يعودوا يعيرون أي اهتمام للوقاية من الجائحة.
ومما يدعم عدم الإحساس بالخطر ويطمئن إلى حد كبير ما ورد مساء أمس على لسان الناطق الرسمي باسم الحكومة. فرغم أن الظروف مؤاتية لانتشار العدوى عندنا، فقد أعلن الوزير أن" المعطيات كلها جيدة: الحالات المسجلة جيدة.. والوضع جيد فيما يخص حالات الوفيات والحالات الحرجة"، داعما كلامه بأن "15 مريضا فقط بكوفيد 19 يوجدون في المستشفيات والمراكز الطبية على عموم التراب الوطني"، كما قال.
وأضاف أن افتتاح المدارس لم يكن له أثر سلبي على العدوى، بل على العكس: "الوضع تحت السيطرة"، حسب قوله. وهذا خطاب مريح تماما ومطمئن طبعا.
قلة الفحوص عثرة كبيرة أمام تقييم الوباء...!
غير أن الوزير لم يتطرق لبعض الإشكاليات التي تثير تساؤلات ترتبط بدقة المعطيات ومصداقية ما ينبثق عنها من استنتاجات. فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية مرارا وتكرارا أن المعطيات الوبائية المتوفرة في القارة الإفريقية تفتقد كثيرا إلى الدقة والمصداقية بسبب ضعف وقلة فحوص الكشف التي يتم القيام بها في تلك الدول.
وفعلا، موريتانيا من بين البلدان التي يُجرى فيها عدد قليل من الفحوص.. فمعدلها اليومي[i] خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة يبلغ [239.6 فحصا؛ بينما يزيد في فرنسا على 100 ألف فحص يوميا، ويُعدُّ بعشرات الآلاف في المغرب وفي الجزائر. وفي هذه الدول، حملات فحوص الكشف واعدادها في زيادة متواصلة؛ بينما تتناقص في بلادنا: معدل الفحوص اليومية عندنا خلال الأيام العشرة قبل الأخيرة يبلغ 246.6 فحص/يوم، بينما هبط العدد خلال الأيام العشرة الأخيرة إلى 234.9 فحص/يوم.
ومن المعروف أنه بقدر ما تقل الفحوص، يتوارى الوباء عن الأنظار، تبعا لتقلص حجم الأدوات والجهود الموظفة في سبيل كشفه.
هل قلة الفحوص وتناقصها هما السر في "التراجع" الظاهر لانتشار الجائحة في بلادنا؟ أم أن معنا بركة؟
للجواب على السؤال، فإننا نعلق آمالا كبيرة على مجلس إدارة الوكالة الوطنية للبحث العلمي والابتكار الذي تم تعيينه من طرف مجلس الوزراء المنعقد أمس، وعلى غيره من الهيئات والخبراء المهتمين بهذا المجال.
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)