كان الشيخ محمد المامي شديد العطف على طلابه مهتما بتكوينهم العلمي و تربيتهم النفسية و السلوكية ابلغ اهتمام .. و كما سبق عصره في منهجية التدريس المتدرج ( المرحلي ) الذي يشبه مستويات التعليم من الابتدائي الى الجامعي سبقهم الى اتاحة فرصة للطلاب للترويح و الاستجمام ، فكان يأخذهم في نزهة الى الحدائق و الرياض ليصقل قرائحهم و يشحذ اذهانهم و يستروحوا ليعودوا اكثر نشاطا و تقبلا لعويصات العلوم من أصول و جدل و علم كلام و منطق و فقه و علوم قرآن و حديث و بيان و لغة و صرف و نحو ... يأخذهم الى رياض الادب و حدائق الشعر و المفاكهة ليحمضوا على لغة ابن عباس رضي الله عنهما الذي كان يجالس فتى مخزوم المنعم لينشده : أمن آل نعم انت غاد فمبكر ..
كان الشيخ يؤانس تلامذته و يداعبهم ليخفف عنهم وقع الغربة و الوحشة و يعدهم نفسيا و روحيا و بدنيا و يوازن بين مختلف حاجاتهم حتى لا يتغلب جانب على جانب .. يهمه ان يكون الطالب متوازنا معتدل المزاج لذلك يسمح له ان يأخذ نفسا في ظل شجرة جميلة المنظر طيبة الرائحة متدلية الاغصان لينة الملمس تسمى : الغزل و ذلك حتى لا يسيطر عليه التشدد و التطرف و نسك الاعاجم على لغة ابن المسيب الذي كان يقول لفقيه المدينة عبيد الله بن عتبة بن مسعود ( و كان يتغزل ) : أأنت الفقيه الشاعر فيجيبه : لا بد للمصدور ان ينفث ..
في صحراء جرداء موحشة كان على الشيخ محمد المامي ان يختط لتلامذته حدائق للنزهة و الفسحة فجعلها رياضا للاسماع و العقول ليستمتعوا بالنظر القلبي الى الزهر و يتنسموا عبير الورود و الثمر لتغذية وجدانهم و شحذ أذهانهم بسماع وصف الطبيعة و الغزل الذي تشرئب إليه النفس السوية و تنجذب إليه الفطرة السليمة .. !
و من أجمل و ابهر الحدائق " السمعية " التي اختطها للنزهة و الفسحة و التربية و التكوين : الحديقة الغناء الرناء التي مطلعها :
لله ما اقل سير المثل
إذا يجاري طيف ذات الكسل ..
و قد اخترت لها اسما - على الطريقة المامية - ثلاثي الابعاد :
نزهة العين الاجدلية في رابعة الرياض البحدلية البلبلية الشململية !..
قد يستغرب البعض من العنوان لكنه ليس اغرب و لا أعرب مما اودعه الشيخ في القصيدة من الامتاع و الاغراب و الابهار و الاحالات و التوظيف و التطويح و التصوير العجيب ...
الأديب و الشاعر بودرباله أباه
قراءة:المهندس المدير محمد أبات