ينتابني شعور كبير بالفخر والغبطة كلما قرأت مقالا لمثقف موريتاني يسلط الضوء على قضية الصحراء الغربية بغض النظر عن "الزاوية " التي ينظر منها للنزاع فهو قبل كل شيئ اعطى بعض وقته الثمين للدراسة في هذا الصراع المهم جدا لكل المنطقة وخاصة في هذه الايام ، كما انه ساهم في ابقاء النزاع في دائرة الضوء ، صحيح انه يحزُّ في النفس ما يصدر عن البعض عندما يكتب عن النزاع فتراه اسدا هصورا يزمجر عندما يتطرق للجانب الصحراوي ملصقا ما اسعفه به قاموسه من عبارات لا تليق احيانا به كمثقف وكاتب ،و عندما يتحول الى الجانب المغربي تراه حِملا وديعا ينتقي العبارات بكياسة وكان الاولى به العكس تماما لاكثر من سبب... على كل حال الكتابة فنٌّ صعب والمهنية اصعب اما الحرية والشجاعة في قول الحق في هذا الزمن فحدث ولا حرج.
انتفض الشعب الصحراوي يوم ١٧يونيو ١٩٧٠ ضد الاستعمار الاسباني الذي واجهه بقمع لم يسبق له مثيل فقتل العشرات واعتقل المئات من بينهم القائد البطل محمد سيدي ابراهيم بصيري الذي مازال مصيره مجهولا حتى اليوم ، بدون ان يحرك المغرب ساكنا !
ثم بعد ذلك تاسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في ١٠ مايو ١٩٧٣ وحاربت الاسبان حتى ارغمتهم على الخروج كل ذلك والمغرب لم يحرك ساكنا ايضا!
بل كانت حدوده مع الصحراء الغربية مراقبة تماما الشيئ الذي فرض على المقاتلين حينها التوجه جنوبا وشرقا ...
لقد فرض النضال الصحراوي المتصاعد على الامم المتحدة إرسال بعثة لتقصي الحقائق الى الاقليم مايو ١٩٧٥ استقبلتها الجماهير الصحراوية في كل مكان بالاعلام الصحراوية والالتفاف حول الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء
ووادي الذهب.
ونظرا لضعف النظام في اسبانيا الذي كان في مرحلة انتقال من نظام افراكو المحتضر الى الملكية الدستورية تبنت اسبانيا خلطة عجيبة لا مثيل لها في التاريخ وهي اي يسلم المستعمر الارض والبشر لأسياد جدد في خرق صارخ للقانون الدولي وهيئات الامم المتحدة التي تطالب بتصفية الاستعمار في الاقليم وتقرير مصير شعبه .
ومن المفارقات العجيبة في احداث النصف الاخير من شهر اكتوبر ١٩٧٥ انه لما حكمت محكمة العدل الدولية يوم ١٦ اكتوبر لصالح الشعب الصحراوي انطلقت المسيرة يوم ٣١ اكتوبر نحو الصحراء الغربية قبل ان يوقع اعلان المبادئ بمادريد يوم ١٤ نوفمبر .
لقد كانت المسيرة حدثا بالغ الفظاعة لم يشهد له التاريخ شبيها ٣٥٠ الف شخص يهرعون حفاة شبه عراة لابتلاع كل مافي طريقهم لقد كان مشهدا مخيفا جعل الناس يخرجون من المدن والقرى والارياف امام وصول تلك الامواج البشرية تاركين كل شيئ .
يقول الملك الاسباني خوان كارلوس في رسالة وجهها لملك المغرب بتاريخ ٢١سبتمبر ١٩٧٩ : "... إن اعلان جلالتكم لمسيرة من ثلاث مائة وخمسين الف شخص ، والمعروفة ب " المسيرة الخضراء" قد خلق ، من وجهة نظر الحكومة الاسبانية، وضع احتكاك عرّض السلم والامن الدوليين للخطر وحملها بالتالي على طلب اجتماع عاجل لمجلس الامن الخاص بالامم المتحدة .
رئيس المجلس المذكور وجه لجلالتكم في ٦ نوفمبر نداء عاجلا من اجل " الانهاء الفوري للمسيرة " ، بيد انه في صبيحة ذلك اليوم كانت المسيرة قد دخلت الاقليم "
بالنسبة لما سماه الملك في نفس الرسالة اعلان مبادئ ١٤ مادريد يقول الملك الاسباني حوله :" ...بعد ذلك باسابيع ، فان حكومات الدول الموقعة على الاعلان ، اي المغرب وموريتانيا واسبانيا ، اتفقت في الجمعية العامة على قرار رقم 3458B بتاريخ ١٠ ديسمبر حاز على اصواتها الثلاثة لصالحه وتم اخذ العلم به ، القرار اكد علاوة على ذلك ، على الحق الغير قابل للتصرف للشعوب المنحدرة من الاقليم في تقرير مصيرها وطالب الادارة المؤقتة للاقليم اي المغرب وموريتانيا واسبانيا باتخاذ كافة الاجراءات الضرورية لضمان ممارسة شعب الاقليم لحقه الغير قابل للتصرف في تقرير مصيره بحرية باشراف ممثل الامم المتحدة المعين من قبل الامين العام .
....نتيجة لذلك وباعتبار ان هذه الظروف لم تحقق .
لقد عرضت حكومتي ماهية موقفها في التقرير الموجه الى الامين العام للامم المتحدة في نفس اليوم ٢٦ فبراير والذي اوضحت فيه الاسباب التي انهت فيها نهائيا وفي نفس التاريخ مسؤوليتها عن الاقليم ، كما اعلنت ان ممارسة حق تقرير المصير لم تتم ."
هنا انتهى ما استطردنا من رسالة ملك اسبانيا لملك المغرب الموجودة في الارشيف الاسباني المفرج عنه والتي اكدت انه لا يمكن التصرف في مصير الصحراء الغربية إلا من قِبل الشعب الصحراوي فقط ، إن سر قوة القضية الصحراوية هو قوتها القانونية فملك اسبانيا قد نفض يديه من اعلان مبادئ مادريد وانسحب منه وكذلك موريتانيا والمغرب قد خرقه باحتلاله لما كان يعتبره حصة موريتانيا من الكعكة .
يجد المغرب ومحبيه مشكلا كبيرا في الدفاع عن احتلاله للصحراء الغربية ويذهبون في ذلك مذاهب شتى منهم "الناصح المشفق " ومنهم " الخبير العارف لشؤون المنطقة " ومنهم ومنهم ومنهم .....
ولكن وضوح القضية وقوتها القانونية المتمثلة في ان صاحب الحق الوحيد في ارض الصحراء الغربية هو الشعب الصحراوي، والشعب الصحراوي فقط، تضع المغرب في موقف صعب فهو ليس من الشعب الصحراوي حتى يكون له دور ، ويتواجد في الصحراء الغربية بالنسبة للمنتظم الدولي كقوة مديرة للاقليم بالقوة وعملية تقرير المصير في حد ذاتها التي تفرضها الامم المتحدة اكبر مُدين للمغرب ، فهو يعترف بتقرير مصير الشعب الصحراوي ويتعامل يوميا مع بعثة الامم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية كقوة احتلال تنتظر ان يقرر الشعب مصيره لترحل. يقولون الحق افضل مدافع عن نفسه .